منتديات ليب مون

يتفرجان على مهن على طريق الانقراض

يحل النجار والمُجلخ وصانع الفخاريات والحداد العربي والإسكافي ضيوفاً على كورنيش بحر عين المريسة. المهن التي ذكر اصحابها إن لم تكن قد انقرضت بمعظمها، فالمتبقي منها هو بلا ريب، على طريق الانقراض أو الغرق في عالم الآلة الحديثة. الجيل الجديد، باستثناء ما قرأه عنها، لا يعرف شيئاً عن الصناعات التي شكلت في الماضي جزءا من الحرف اليومية وعرفت بأسمائها الشعبية مثل «الفخرجي» و«الكندرجي». في «بيوت الفرجة - متحف المهن الحرفية»، الذي يقام مقابل تمثال عبد الناصر، تحضر هذه المهن إلى جانب أدوات متعددة تشكل بعضاً من التراث اللبناني.
تقول الرواية التي تهدف إلى التعريف عن كل مهنة إن «النجارة تعد من أقدم الحرف البشرية على الإطلاق.. وقد عرف عن أهالي لبنان الفينيقي المهارة في النجارة لتوافر أخشاب الأرز والسرو والسنديان في جباله ووديانه، فاشتهرت منطقة الميناء في طرابلس ورأس العين في بعلبك ومناطق بشري بصناعة المفروشات، وتفنن أهلها بالحفر على الخشب، وبصناعة الآلات الموسيقية كالعود، حتى التصق الاسم بعائلات سميت باسم المهنة التي برعت فيها على مدى سنين طويلة..».
لا يكتفي الشرح بهذا التعريف عن المهنة، بل يفرد مساحة للأدوات المستخدمة فيها «الأدوات التي استخدمها النجار قديماً هي المنشار والمطرقة والمقدح والمبرد والمفك والملزمة والمسامير والبراغي..».
وعلى الرغم من أن مهنة النجار ما زالت متداولة إلى اليوم فإن هناك حرفا أخرى، مثل المُجلخ، انقرضت بفعل تطور وسرعة الحياة اليومية التي باتت تعتمد على تغيير المعدات المنزلية واستبدالها، بدلاً من تصليحها. فالمُجلخ قديماً هو الحرفي الذي كان يقوم بشحذ السكين وجعله حاداً قاطعاً. كان صوته يسمع عندما يجوب الساحات منادياً: «مجلخ سكاكين.. مجلخ مناجل.. مجلخ مقصات» ليسارع سكان القرية لإعطائه السكاكين والأمواس والساطور والمنجل وكل ما يحتاجون إلى شحذه..
صوت المُجلخ سيعلو من جديد، مسجلاً هذه المرة، داخل أحد كرافانات المتحف الأربعة المخصصة لعرض المهن والمعدات. يقف تمثال المُجلخ، الذي يعمل كبقية التماثيل الموجودة بواسطة الكهرباء وأجهزة التحسس، خلف آلة الجلخ. عجلة خشبية مثبتة على أضلاع هرمية، تربط بحلقة يوصل بها دواس يضغط عليه المُجلخ بقدمه، فتتحرك العجلة الكبيرة لتحرك بدورها حجراً يستعمل خصيصاً في عملية الشحذ.
في كرافان الصناعات التي اندثرت، يشاهد الزوار النجار، المُجلخ، صانع الفخاريات، الإسكافي، الحداد العربي، والمصور. جميع هذه الشخصيات تستريح خلف واجهات مصنوعة من الزجاج والخشب بعيداً عن عبث الأيدي. والكرافانات التي تقف على عجلات، تسهيلاً لنقلها، مكيفة بواسطة مولد كهربائي خاص (بقوة 30 ألف شمعة)، وتتزين جدرانها من الداخل بصور المعالم الأثرية والتراثية اللبنانية.
ويتضمن الكرافان الثاني، المعدات القديمة المخصصة للمأكولات ففيه «النملية» وهي الخزانة الخشبية التي يغطي نوافذها الشبك وتوضع فيها المأكولات من نقولات وأعشاب وحبوب، وجرة «المخيض» التي يتم استخراج الزبدة من لبنها، و«الكبكة» التي توضع الأطعمة عليها من أجل حفظها، و«جاروشة» البرغل، وجرن الكبة.
في الكرافان الثالث يتفرج الزائر على آلة الخياطة، ودولاب غزل الصوف، و«النول»، وبئر الضيعة. أما في الكرافان الأخير فيشاهد آلة صناعة حلوى غزل البنات اليدوية، خلاط البوظة القديم، الصاج المخصص لصناعة خبز المرقوق، «التنور» المصنوع من الطين والتبن وشعر الماعز، وآلة الفونوغراف الموسيقية. وهذه الأخيرة ليست من التراث اللبناني لكن تم إحضارها بهدف تعريف الجيل الجديد عليها. وقد علقت على هذا الكرافان شاشة خارجية مخصصة لعرض عدد من المهن غير الموجودة في المتحف مثل صناعة الصابون والقش والخيزران.
في الكرافان الصغير الذي يشكل «غرفة العمليات» (مخصصة لإدارة التجهيزات الصوتية وقطع التذاكر) يؤكد مصمم مجسمات المشروع عبد الكريم مكة إن هدف الفكرة تربوي وثقافي بامتياز. يقول: « لدي هواية بتجميع الموروث اللبناني والمحافظة عليه. وبما أن هناك أجيالا لا تعرف التراث أحببت أن أجسده على شكل مجسمات تحكي كيف كان أباؤنا يعيشون». ويأسف مكة على أن العديد من أصحاب المهن الحرفية لم يتمكنوا من توريثها لأبنائهم لاسيما أن مردودها المادي ضعيف والدولة غائبة عن حمايتها، ما أدى إلى إهمالها.
ويلفت إلى أن متحف «بيوت الفرجة» المتجول «هو الأول من نوعه في لبنان والشرق الأوسط»، مؤكداً أن هناك هدفا في زيارة أكبر عدد ممكن من المدارس والبلدات اللبنانية. ويشير إلى أنه نال موافقة العرض من أربع بلديات هي جونية(على أرض ملعب فؤاد شهاب)، صيدا (مقابل القلعة)، حارة صيدا، وبعلبك (منطقة رأس العين). ويشرح مكة، الذي يعمل مديراً للأغذية والمشروبات في مطعم الساحة (طريق المطار)، بأن المشروع تكلف نحو مئتي ألف دولار أميركي كبدل معدات وأجرة يد عاملة «غير أن ثمنه بات اليوم غير محدد بسبب قيمته المعنوية والثقافية والتراثية»، مذكراً بأن العرض الأول جرى في مدينة «مرح» في صيدا واستمر شهراً كاملاً.
وقد حصل المشروع من وزير الداخلية والبلديات زياد بارود على ترخيص بالعبور على كافة الأراضي اللبنانية (يتم التنسيق خلال التنقل مع شرطة السير)، بحسب ما يلفت مكة.
ويفتتح المتحف الذي يمتد على مساحة تبلغ نحو 500 متر مربع أبوابه يومياً من الثانية بعد الظهر حتى منتصف الليل، ويستمر حتى الخامس عشر من الجاري، لينتقل بعدها إلى وسط المدينة، بعدما حصل على الموافقة المبدئية من شركة «سوليدير». ويبلغ رسم الدخول ثلاثة آلاف ليرة للكبار وألفي ليرة للصغار

حلو كتير
ميرسي عسولة