منتديات ليب مون

معالي وزير الداخلية
الاستاذ زياد بارود المحترم
تحية وبعد
قرأت لك كلمة في احتفال نظمته «لجنة انماء المرأة والعائلة»، حيث عرجت على مواضيع الانتخابات وحقوق المرأة، والوراثة السياسية والمصاريف الانتخابية ـ وما ادراك ما المصاريف الانتخابية ـ وكلها مواضيع اشهد انك قاربتها من منطق علمي سليم فجاءت المواقف حيالها صحيحة متوازنة معبرة عن التزام ديمقراطي عميق وعن رغبة صادقة في تطوير انظمة الدولة والنهوض بالمجتمع اللبناني الى مستويات ارقى تخاطب، وتعكس في آن، الحقيقة اللبنانية الجوهرية التي تمثلها اجيال من النساء والرجال تمسكت بقيم العمل والانجاز والعدالة، ورفضت السقوط في شبكات الاقطاع والمال التي تفوقت على نفسها في استخدام السلاح المذهبي لطمس الحقائق، وتزييف وجهة الصراع، وتضليل جمهور المواطنين، والخروج بأكبر حصة من الكعكة التي يصغر حجمها يوماً بعد يوم بعد تنامي خدمة الدين العام التي تخطف نصف واردات الدولة.
وبينما انا، يا معالي الوزير، اراجع كلماتك مقدراً لك تماسك الكلام، وسلاسة التعبير، وسلامة القصد، فضلاً عن المجهود الاستثنائي الذي تبذله، وقد الزمك الفراش، وقعت عيني على عبارة رأيت من واجبي التوقف عندها حتى لا تترك انطباعاً خاطئاً لدى القراء والمواطنين الذين ينتظرون الكثير من وزير جريء جعل الخدمة العامة رائده ورفض بكل إباء ان ينضم الى جوقة المستفيدين والوصوليين الذين تعج بهم دوائر الدولة وقصورها.
قلت يا معالي الوزير «مرسوم التجنيس عام 1994 ما نزال ندفع ثمنه حتى اليوم والناس الذين لا يستحقون الجنسية لم يكن من الواجب اعطاؤها لهم».
انت مطلع ـ يا معالي الوزير ـ وقد تابعت كل القضايا المتعلقة بحقوق الانسان ومنها حق التجنيس فهل سألنا انفسنا مرة لماذا عمد النظام اللبناني بعد الاستقلال الى تأجيل اصدار قانون عصري للجنسية، وتأجيل إقرار حقوق عشرات الالاف من المستحقين الذين حرموا قهرا من نيلها وبينهم اطفال وجامعيات وجامعيون ورجال اعمال ومزارعون وكتاب ومبدعون وعمال واصحاب مهن حرة؟!
نعم بأي حق حرم هؤلاء، على مدى عشرات السنين، وجلهم لبنانيون، من وادي خالد والقرى السبع او من الذين اهمل اهلهم تنظيم قيودهم او من فئة قيد الدرس الذي حملوا بطاقاتهم اكثر من ثلاثين سنة ودفعوا كل ما توجب عليهم للدولة، وأمضوا الساعات يلاحقون معاملاتهم بين دائرة رسمية وأخرى، دون ان تبت اي سلطة بحقهم في التجنس كما يجري في اي بلد في العالم.
ان اهمال الدولة من جهة وعدم رغبة بعض اطرافها هو الذي ادى الى تراكم هذه المشكلة وتضخمها. حتى اصبح حلها صعباً ومحفوفاً بالمخاطر.
ولكن عندما بحثنا هذه القضية في العهد السابق رأينا، رئيس الجمهورية المغفور له الرئيس الياس الهراوي، ورئيس الحكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانا كوزير للداخلية ان هذه المشكلة يجب التصدي لها لانها قضية حق، ولان اهمالها يسيء الى سمعة لبنان الذي يباهي الامم انه شارك في صياغة شرعة حقوق الانسان ولانه ايضاً يمكن ان يؤدي الى تفاعلات اجتماعية وسياسية ليست من مصلحة بلد يريد طي صفحة الماضي الاليم والانتقال الى مرحلة الاعمار والانماء.
ولقد تشاورنا مع وزير العدل د. بهيج طبارة والعديد من القضاة لتأمين الاطار القانوني الملزم لانطلاق هذه العملية الانسانية التي عطلها الجهل والخوف والهوى لمدة خمسين عاماً.
ولعلمك يا معالي الوزير فإن مجلس الوزراء كان مطلعاً وقدم لمجلس النواب مشروع قانون لتعديل رسوم التجنس. ومجلس النواب أيضاً كان مطلعاً وبحث مشروع القانون ورده معتبرا ان الرسوم مرتفعة نسبياً ولا يمكن ان تتحملها غالبية المرشحين لنيل الجنسية. لذلك قامت الحكومة بتقديم مشروع اخر وافق عليه مجلس النواب وجعل الرسم بقيمة مئة الف ل.ل. للراشد وللقاصر 25 الف ل.ل.
لذلك لا تصدق ايها الصديق ان وزيراً او نائبا لم يكن مطلعاً او متابعاً لهذا الموضوع، ولكن البعض آثر تجاهل الحقيقة والانقضاض على هذه العملية الانسانية بعد ان شعر انه اذا اختار التنصل والهجوم يمكنه ان يكسب سياسياً أو انتخابياً لدى بعض الاوساط المتأثرة حتى الان بالنزعة الطائفية والثقافة «العددية». المرسوم وملفاته واضحة ومنسقة وتواقيع المسؤولين (مختارين، احوال شخصية، امن عام، كتاب عدل، كتاب سجل) كلها واضحة ويمكن ملاحقة اي ملف لا يستوفي الشروط القانونية الكاملة. فالدولة بامكانها معالجة الخلل اينما وجد اما اعتماد التعميم وكذلك التعميم الظالم دون معالجة الخلل حيثما وقع، فهو ضغط نفسي مستمر ـ لا تقصده طبعاً يا معالي الوزير ـ على مواطنين يقومون بكل واجباتهم منذ 15 سنة (وهي مدة كافية وحدها للحصول على الجنسية في البلدان الديمقراطية)، كما انه ايغال في اثارة مشكلات لا يخفى على معاليك تداعياتها السلبية على وحدة المجتمع وتماسكه.
وكذلك القول بان المرسوم منذ 1994 لا نزال ندفع ثمنه حتى اليوم فهو ظلم اخر يضاف ضد المرسوم الذي يشكل برأيي احد اهم اعمال الدولة في المرحلة السابقة لان هذا العمل الانساني والديمقراطي اكد على شعور جديد وجدي بالمسؤولية، واكد على روح المبادرة التي أعوزت العهود السابقة واكد على حق هؤلاء الافراد والجماعات الحصول على حقوقهم والعيش بكرامة وحرية وهم من الذين ارتبطوا بهذه الارض وضحوا من اجلها في اوقات الشدة ووضعوا كل مدخراتهم واملاكهم واحلامهم فيها. فاين الثمن في كل ذلك يا معالي الوزير . الثمن الحقيقي كان يمكن تلمسه فيما لو لم يبادر عهد الرئيس الهراوي والرئيس الحريري لاتخاذ القرار ورفع الظلم وترسيخ حقوق الانسان.
ان المستحقين وبينهم لامعون في كل الميادين هم في عهدة الدولة وخاصة في عهدة وزير الداخلية الذي يعرف ان الظلم يدمر وان الحق يعّمر ويعرف ايضا انه حان الوقت لاتخاذ قرارين جديين:
اولا: البت نهائياً بالملفات المشكوك فيها لعزلها عن ملفات عشرات الالاف من المستحقين، واقفال الباب أمام هذه الإثارة الموسمية لاسباب باتت معروفة عند الجميع.
ثانيا: التعامل مع ابنائنا الذين نالوا حق الجنسية بكل احترام تفرضه قيمنا الانسانية والاخلاقية، بل التعامل معهم كما نريد من الدول الاخرى أن تتعامل مع اللبنانيين الذين يحملون جنسيتها.
مع المودة والتقدير