منتديات ليب مون

خمسة وثمانون في المئة من المصابين بمرض «اضطراب ثنائي القطب» (Bipolarity) في لبنان لا يعرفون أنهم مصابون بالمرض، ولا يقومون بالتالي باستشارة الطبيب»، وفق ما أكّد الرئيس التنفيذي لجمعية «إدراك» البروفسور إيلي كرم خلال مؤتمر «القضايا الساخنة في طب النفس» الذي افتتح امس في لبنان، وخصص لمناقشة مرض «اضطراب ثنائي القطب» تحديداً.
ويعتبر مرض «اضطراب ثنائي القطب» مرضا نفسيّا، يعاني المصاب به من تناوب بين فترات من الكآبة، وبين أخرى من الابتهاج غير الطبيعي. وينتشر المرض بنسبة خمسة إلى ثمانية في المئة بين الناس في العالم، وبنسبة 2.4 في المئة عند الأفراد في لبنان.
وأعاد كرم، خلال المؤتمر الذي ترأسه برعاية وحضور وزير الصحة علي حسن خليل وخبراء محليين ودوليين، العزوف عن اللجوء إلى الطبيب النفسي في لبنان إلى «نقص في الوعي عن المرض، وعدم تنبّه الأفراد وأطباء الصحة العامة له».
ولفت مدير مركز «القلق والمزاج» في فرنسا الدكتور إيلي حنتوش، في حديث لـ«السفير» إلى وجود أنواع عدّة من «اضطراب ثنائي القطب»، إذ يعاني المصاب من النوع 1 من المرض، من فترات من المسّ المعروفة بـ(Mania)، أو الابتهاج الشديد، والهذيان والتهيّج تليها فترات أخرى من الانهيار أو الاكتئاب، بينما تكون فترات المسّ عند المصاب من اضطراب ثنائي القطب «2» أي «Hypomania» أخفّ وطأة من تلك التي تظهر في النوع الأوّل. يمكن أن يعاني بعض المصابين من النوع الثالث «سيكلوتيميا»، أو اضطراب المزاج الدوري، من حالة مستمرّة من تقلّبات المزاج.
وخلال المؤتمر، أكّد مدير المركز الدولي للمزاج في مدينة سان دييغو الأميركية، وأحد المستشارين العلمييّن في «المعهد الوطني للصحة العقلية في الولايات المتحدة» البروفسور هاغوب أكيسكال، أن العوامل الجينيّة الوراثيّة هي السبب الرئيسي لاضطراب ثنائي القطب. وأشار إلى أنه، حتى اليوم، كشفت الدراسات العلميّة عن ارتباط اضطراب ثنائي القطب بستة إلى ثماني جينات. وقدّرت تلك الدراسات بأن المرض مرتبط بحوالى مئة جين وراثي.
وتأكيداً على أهمية العامل الوراثي، ذكر حنتوش بأن الأفراد الذين يمتلكون تاريخا عائليا من «اضطراب ثنائي القطب»، هم أكثر عرضة للإصابة بالمرض، مؤكداً أنه، وعبر الأجيال، تزيد شدّة المرض، وتظهر أعراضه في مراحل عمريّة أصغر.
ويعتبر الرجال أكثر عرضة من النساء للإصابة بنوع «اضطراب ثنائي القطب 1»، فيما يتساوى معدّل الإصابة بالنوع الثاني بين الجنسين، وتسجّل نسبة ثمانين في المئة من اضطراب المزاج الدوري عند النساء، أي النوع الثالث المعروف بـ«السيكلوتيميا».
ويمكن للفحوصات الطبية ان تساهم في تحديد الإصابة بالمرض، وبحسب الدكتور حنتوش، يظهر التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ وجود خلل أو عدم توازن بين وظائف الدماغ العاطفي، وبين الدماغ المنطقي عند المصابين بالمرض.
كما تعتمد سبل التشخيص على المقابلات الشخصيّة، والإجابة عن أسئلة خاصة ومحدّدة.
وشدّد حنتوش على أن الطرق التقليدية في التشخيص لا تكشف عن نسبة خمسين في المئة من الحالات، ما يستوجب دقّة أكبر في التشخيص.
ولفت حنتوش إلى مسألة «خلط بعض الأطباء بين حالات الاكتئاب وحالات «الإضطراب الثنائي القطب»، إذ ان نسبة خمسين في المئة من الأشخاص الذين يقصدون الطبيب النفسي لمعاناتهم من مرض الاكتئاب، يعانون في الحقيقة من «اضطراب ثنائي القطب»، ولا يجب علاجهم بالأدوية المضادة للاكتئاب». ويؤكد أن «وصف الأدوية المضادة للاكتئاب للأشخاص الذين يعانون من اضطراب ثنائي القطب يشكّل ضررا وأذى للمريض، حيث تزيد تلك الأدوية من حالات الهيجان والتوتر والاندفاع نحو الانتحار وتزيد من شدّة المرض وأعراضه». ويرى حنتوش أنه «يجب على الطبيب إجراء تشخيص دقيق للحالة، كما يجب على المريض عدم قبول أي دواء من دون أن يتأكّد من خضوعه لجميع الفحوصات الكاشفة عن المرض».
ويمكن لأعراض «اضطراب ثنائي القطب»، وفق حنتوش، أن تختلط مع أعراض قلة التركيز، ومع إفراط الحركة عند الأولاد، مؤكداً «أن أربعين في المئة من الأولاد الذين يظهرون إفراطاً في الحركة يعانون من «اضطراب المزاج الدوري» و«اضطراب قلة التركيز» وإفراط الحركة.
ويرتكز علاج «اضطراب ثنائي القطب» على أدويّة مثبتات المزاج، وعلى العـلاج النفسـي العيادي. وبحسب كرم، تحدّ أدوية مثبتات المزاج من تدهور حالة المريض كما أنها تحميه من خطر الانتحار.
بدورها، أشارت رئيسة «الجمعية اللبنانيّة لعلم النفس» الدكتورة ليلى عاقوري الديراني، خلال المؤتمر، إلى أهميّة دور المعالج النفساني العيادي في مواكبة المريض وتثقيفه على أعراض «اضطراب ثنائي القطب»، وعلى كيفية السيطرة عليها، وفي مساعدة العائلة على التواصل مع المريض، واستخدام الأساليب التواصلية الصحيحة». فلا يجب، وفق الديراني، على الأهل والمقربين رفض هؤلاء الأشخاص أو التوجه إليهم بعبارات «ما بك شي»، و«ما تصرّخ»، و«ما عندك إرادة»، بل من المستحسن تقبّل هؤلاء الأفراد، وتفهّم حالتهم والإصغاء إليهم.
وعن العلاقة بين اضطراب ثنائي القطب والإبداع ، لفت حنتوش إلى أن الدراسات العالميّة تؤكّد أن نسبة أربعين إلى ثمانين في المئة من الكتاب والرسامين عانوا من تقلّبات في المزاج كالرسام الهولندي فينست فان غوخ ( 1853-1890) والشاعر الأميركي إدغار آلان بو (1809-1849)، والكاتب الأميركي إرنست همينغوي (1899-1961) وغيرهم. وفي السياق، شدّد أكيسكال في حديث لـ«السفير» على أن «اضطراب ثنائي القطب» يشكّل فائدة للبشريّة، إذ إن بعض الأشخاص المصابين به يتمتعون برغبة في الاكتشاف وسبر الأغوار، وحس قيادة فريق او مجموعة، والمجازفة وتحمّل المخاطر.
خلال افتتاح المؤتمر، قلّد ممثّل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وزير الصحة العامة علي حسن خليل البروفسور هاغوب أكيسكال، اللبناني الأصل، وسام الاستحقاق الصحّي من الدرجة الأولى تقديرا لتميّزه العلمي ولمساهمته في دعم القطاع الصحّي خلال مسيرته الطويلة. وأكّد خليل ضرورة مراجعة السياسات الصحيّة المتعلّقة بالطبّ النفسي والاعتراف بالأمراض النفسيّة والعقليّة والاهتمام بسبل مقاربتها ومعالجتها.
وكشف المدير العام لوزارة الصحّة العامة الدكتور وليد عمار أن معدّل انتشار الاضطرابات العقليّة والنفسيّة يبلغ نسبة سبعة عشر في المئة بين الأفراد في لبنان، وأن سبعين في المئة من الأشخاص الذين يعانون من مرض الاكتئاب لا يتلّقون العلاج المناسب.
وأفاد عمار بأن الوزارة في صدد إعداد مشروع قانون لتنظيم عمل المعالجين النفسيين، مؤكداً أنه «لن يكون مقبولا بعد اليوم وجود عاملين في هذا المجال يعملون من دون قواعد علميّة، ومن دون معايير تحدّد المؤهلات المطلوبة لمزاولة المهنة». وأعلن عمار أن قانون رعاية المرضى النفسيين وحمايتهم موجود حاليا على طاولة مجلس الوزراء تمهيدا لإحالته إلى مجلس النواب، مؤكداً أنه، وعند صدوره، «سيضع هذا القانون حدا لقانون «مستشفيات المجانين العثماني» المعمول به منذ العام 1876».