منتديات ليب مون

خطاب الرئيس الاميركي باراك اوباما امام الكونغرس قد يكون منعطفاً رئيسياً في ولايته المثقلة بالهموم الاقتصادية مع تراجعه في استطلاعات الرأي وتعرّضه لضغوط من داخل حزبه لطرح برنامج اقتصادي يزيد فرص العمل وينقذ الديموقراطيين من خسارة كبيرة في الانتخابات التشريعية والرئاسية نهاية العام المقبل.
أوباما حائر بين حصار الجمهوريين عليه ومنعه من إقرار جدول اعماله في الكونغرس وبين امتعاض قاعدته الليبرالية التي تعتقد انه لا يواجه خصومه كفاية، بحيث هناك شعارات يسارية مثل «إطرح أمراً كبيراً أو إذهب الى البيت» اي هناك ضغط عليه لان يطرح برنامجا بحجم الازمة الاقتصادية وليس أفكاراً رددها في السابق، بينما تركيز البيت الابيض يبقى على طرح مشاريع يمكن ان تقبل بها القيادات الجمهورية في الكونغرس. رئيس مجلس النواب جون بوينر فرض على اوباما تأجيل خطابه من الاربعاء الى الخميس، ما اعتبرته القاعدة الليبرالية دليلاً آخر على تساهل اوباما مع الجمهوريين.
هذه القيادات الجمهورية طلبت لقاء اوباما قبل الخطاب وأبدت مرونة خجولة في التعاون معه مؤكدة في الوقت ذاته انها لا تتوقع اي جديد في الخطاب، وبعض الاعضاء المشاغبين من حركة «حفل الشاي» قرروا عدم حضور هذا الخطاب. في آخر استطلاعات الرأي لم يوافق 60 في المئة من الأميركيين على تعامل اوباما مع فرص العمل ووافق في المقابل 28 في المئة على تعامل القيادات الجمهورية في الكونغرس مع الاقتصاد، في أرقام تعكس تشاؤم الرأي العام ازاء واشنطن والادارة والكونغرس والحزبين الديموقراطي والجمهوري على حد سواء.
بحسب التسريبات الإعلامية، سيدعو اوباما الكونغرس الى إقرار رزمة قوانين تصل قيمتها الى حوالى 400 مليار دولار تتضمن تقليص الضرائب وانفاق فدرالي على البنى التحتية ومساعدات فدرالية الى السلطات المحلية والتدريب لمن يمر في بطالة طويلة، في محاولة لإيجاد مساحة تساعد على تقليص معدل البطالة الذي يبقى 9.1 في المئة ولطمأنة الاسواق المالية التي لا تزال مستمرة في اضطرابها. كبير موظفي البيت الأبيض أكد في تصريح لشبكة «اي بي سي» امس انه لن تصرف أي موارد اضافية في تمويل هذه المشاريع المقترحة بل ستخصص الأموال عن طريق سد الثغرات الضريبية على الشركات الكبيرة وزيادة الضرائب على اصحاب الدخول المرتفعة، وبالتالي تحاول الإدارة استباق اي تعليق يعتبر ان اوباما يستمر في سياسة الانفاق الحكومي. يسعى فريق عمل اوباما الى اعادة إنتاج صورة الرئيس عند الرأي العام بعد استنزافه في معركة رفع سقف الديون، ومحاولة تصويره بالتالي على انه الشخصية المسؤولة والمعتدلة القادرة على ايجاد التسويات. والسؤال الرئيسي ما اذا سيكون اوباما هجومياً او دفاعياً في لغته مع الجمهوريين، لا سيما انه لمح في الاسابيع الاخيرة انه سيضعهم امام الامر الواقع والرأي العام في حال رفضوا خططه لتوفير فرص العمل.
بحسب الخبراء، سيكون معدل البطالة نهاية العام المقبل بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية حوالى 8.5 في المئة، ولم يفز أي رئيس اميركي منذ الحرب العالمية الثانية بمعدل بطالة فوق 6 في المئة باستثناء الرئيس الراحل رونالد ريغان الذي واجه معدل بطالة 7.2 في المئة. هذه المرحلة قد تكون عابرة لأن ابتعاد الناخبين عن اوباما لا يعني الاتجاه تلقائياً الى الجمهوريين لأن حجتهم ليست كافية لضمان هذا الفوز، ورهان البيت الابيض ان تتحسن ارقامه في استطلاعات الرأي مع الوقت عندما تتضح هوية المرشح الرئاسي الجمهوري الذي يصبح أسهل التصويب عليه.
المناظرة التلفزيونية:
بيري ورومني
على خلفية الطائرة الرئاسية التي حملت ريغان الى ثلاث قمم اميركية - سوفياتية، الحدث الابرز مساء أمس الاول كان المناظرة التلفزيونية بين مرشحي الرئاسة الجمهوريين التي فرزت المشهد السياسي بين حاكم ولاية تكساس الحالي ريك بيري وحاكم ولاية ماساشوستس السابق ميت رومني. بيري يمثل جناح الولايات الغربية في الحزب الجمهوري حيث ليس هناك الكثير من الاختلاط مع الاصوات الديموقراطية وبالتالي أرضية خصبة لأفكار حركة «حفل الشاي» لناحية الرفض المطلق لدور الحكومة الفدرالية في ادارة الاقتصاد والمجتمع. على الضفة الأخرى، يمثل رومني الجمهوريين في الولايات الشرقية حيث هناك تفاعل اكثر مع الاصوات الديموقراطية وتميل الى تقبل دور فدرالي محدود وتحمل في طياتها مقاربة جمهورية اكثر اعتدالاً.
دخول بيري متأخراً الى السباق أعطاه دفعاً قوياً جعله يقود استطلاعات الرأي بين المرشحين الجمهوريين، والسؤال الرئيسي قبل هذه المناظرة هو اذا كان بيري مرشحاً جدياً يمكنه الفوز على المدى البعيد او «نكهة الشهر» فقط يستهلكه الاعلام الاميركي كما استهلك قبله النائبة ميشيل باكمان. بيري خبرته محدودة في المناظرات التلفزيونية ويرتاح اكثر في التفاعل مع الناس، وهو تعرض في المناظرة الى ضربات من كل الجهات كانت دليلاً ان القاعدة التقليدية في الحزب الجمهوري تفضل رومني في هذا السباق.
خلال مناظرة دامت 105 دقائق في مكتبة ريغان في ولاية كاليفورنيا، وصف بيري «الضمان الاجتماعي» بأنه «كذبة بشعة على أطفالنا» وبأنه «مخطط احتيالي»، مؤكداً انه «ربما حان الوقت لبعض اللغة الاستفزازية في هذا البلد». رومني قطف هذه اللحظة سريعاً بالقول «مرشحنا يجب ان يكون شخصاً غير ملتزم بإلغاء الضمان الاجتماعي لكن ملتزم بخلاص الضمان الاجتماعي». هذه العبارة ستطارد بيري في كل مسار ترشيحه وقد تكلفه في انتخابات مثل ولاية فلوريدا حيث غالبية الناخبين من كبار السن الذين يعتمدون على الضمان الاجتماعي. بيري لا يعتقد أيضاً بالتغير المناخي ولا بنظرية تطور الانسان ويؤيد عقوبة الإعدام، ما يجعله في موقف صعب كي يحصل على اصوات الناخبين المستقلين. فشل بيري في حسم السباق لمصلحته مبكراً وفي نيل إعجاب القاعدة الجمهورية ويبقى رومني المرشح الذي يمكنه الادعاء انه افضل الممكن القادر على هزم اوباما وانتزاع اصوات المستقلين منه، لكن حركة «حفل الشاي» قد تفرض جدول اعمالها على السباق الجمهوري.
اللافت في هذه المناظرة الرئاسية كان مدى تأثير الركود الاقتصادي على سياسة الجمهوريين الخارجية، بحيث كان الإجماع على عدم التورط في حروب أخرى وتكريس الموارد الاميركية لقضايا محلية مثل الاقتصاد وفرص العمل والرعاية الصحية. باكمان رفضت تدخل اوباما في ليبيا حيث ليست هناك «مصلحة اميركية» وان الثوار قد يمهدون لـ«خلافة اسلامية عالمية»، بينما أكد بيري انه لن يرسل الجنود الاميركيين الى بلدان أخرى «من دون مصلحة يحددها بوضوح رئيس الولايات المتحدة» في تلميح مبطّن لسياسة الرئيس الاسبق جورج بوش في العراق حيث قال «لا اعتقد ان اميركا تحتاج ان تكون في اعمال المغامرة العسكرية». الإجماع ايضاً بين المرشحين الجمهوريين كان على اقصاء رئيس الاحتياط الفدرالي بن برنانكي وتحميله مسؤولية الإنفاق الحكومي المفرط عند تعامله مع الركود الاقتصادي.