منتديات ليب مون

تكشف الوقائع البقاعية اليومية في أعقاب الانفلات السياسي والشعبي الأخير عن المزيد من المآسي، التي تتشعب بصورة تصاعدية لتطاول الشرائح الاجتماعية كافة، وخصوصاً على مستوى تعاظم الضغوط على ميزانيات الأسر المحدودة والمتوسطة الدخل، وهي المتضررة الدائمة من أي تحرك يؤدي إلى شلل في الحراك الاقتصادي.
فمن الخوف اليومي الذي وصل إلى أعلى ذراه مع التعبئة الطائفية والمذهبية المتصاعدة التي صاحبت الاحتجاجات، والتي يمكن اعتبار أن الطرق الرئيسية في البقاع الأوسط فضلاً عن المؤسسات الاقتصادية والتجارية هي الضحية الأولى للأزمة السياسية المستفحلة، التي فعلت فعلها مفضية إلى جمود تجاوز كل الحدود، وفاق كل تصور، حتى يمكن القول انه يكاد يكون غير مسبوق، ولو مقارنة بما حصل إبان العدوان الإسرائيلي في تموز 2006.
بدت منطقة البقاع الأوسط، كما لو أنها ترزح تحت ثقل قرار «حظر تجول» غير معلن رسمياً وعسكرياً، الزمت به نفسها وطرقها الرئيسية الممتدة من شتورا إلى المصنع اللبناني أو المنطلقة من شتورا إلى زحلة، وعلى الرغم من المخاطر الجمة وتحديداً عند منطقتي تعلبايا وسعدنايل اللتين تنامان وتستفيقان على كابوس التأزم المذهبي والتوتر الطائفي.
ومع حلول تباشير الظلام يعود مفعول الحظر ليسري في ظل تطبيق صارم فرضته حالة الخوف والترقب التي تعبر عن المرارة والمعاناة التي يعيشها الاهالي في هذه المنطقة.
أما الخسائر التي يتكبدها المواطنون من جراء كل تحرك موسع يؤدي إلى شلل تام في الحركة الاقتصادية فتكاد لا تحصى. وفي هذا المجال، يتحدث الكثير من أصحاب المؤسسات الاقتصادية والتجارية عن خسائر لم تعد «تطاق وتحتمل» بسبب الأزمة السياسية الخانقة والضغوط المعيشية المتنامية، وفق ما يقول احمد اللدن صاحب مؤسسة تجارية في تعلبايا. ويشير اللدن الى اقتصار العمل على بضع ساعات في النهار مع حركة جد «متواضعة وضعيفة»، تراجعت وتيرتها بشكل كبير جداً منذ استقالة وزراء المعارضة.
ومع ساعات الليل تنعدم الحركة، لا سيما التجارية منها، فتختفي الحركة عن الشوارع ولا يبقى سوى الكوابيس والشائعات التي تتحدث عن قرب الإشكالات المسلحة التي تحمل خلفية طائفية.
ويحكي خليل الشحيمي عن مأساة المؤسسات التجارية التي تقع على طريق شتورا ـ المصنع، الذي يوصف بالشريان الاقتصادي الحيوي للبقاع، عن الكثير من الجمود المالي وعن خوف حدا بأصحاب المؤسسات المالية والتجارية والمجوهرات، وتحديداً في شتورا، إلى إفراغ مؤسساتهم من العمولات والمصاغ وتخبئتها خوفاً من إشكالات مرتقبة، لا سيما ان حركة الشراء في جمود بانتظار الفرج السياسي.
وتنتشر على الطريق الرئيسية في شتورا عشرات مؤسسات الصيرفة التي يتحدث اصحابها عن «هدوء حتى السكينة» في مؤسساتهم التي دفعت ثمن التجاذب السياسي، وذلك بحسب أحد أصحاب محال الصيرفة في شتورا يوسف منصور (مجدل عنجر)، ويوافقه الرأي جاره محمد دياب من حزرتا، حيث يحملان المسؤولية عن خسائرهما لكل الأطراف السياسية المسؤولة عن التوتر السياسي بلا استثناء.
يتفق منصور ودياب، على ان الخلاف السياسي تسبب بقطع ارزاقهم، فتصريف العملات متوقف والحركة بين لبنان وسوريا جامدة حالياً.
وأدى ارتفاع الضجيج السياسي والتجاذب الطائفي بالكثير من اصحاب مؤسسات الصيرفة في شتورا الى وقف التعامل وشراء شيكات مصرفية بتواريخ متأخرة، «لأن الأزمة غير معلومة ولا أحد يعرف ماذا تحمل الايام المقبلة»، وفق ما يقول قاسم شمس الذي يأمل بحل سريع يعيد الحركة المالية في المؤسسات الى وضعها الطبيعي، وينهي الخوف المتصاعد عند آلاف العائلات اللبنانية.
الخسائر الاقتصادية البقاعية لا حدود لها وتطاول حتى حركة الفنادق والمطاعم والسوبر ماركات وصولاً الى المدارس التي يشكو مديروها من احجام الاهالي عن دفع الأقساط المدرسية.
وفي هذا المجال، يتحدث الأب جوني أبو زغيب مدير مدرسة القديسة حنة في رياق عن جمود وإحجام عند الأهالي لدفع الأقساط، مبررين الإحجام بتوجسهم مما تحمله الايام المقبلة، اذ يخشون توترات تؤدي الى تعطيل المدارس، عدا عن حجز البدلات المالية عن الفوارق، في انتظار عودة العمل الحكومي لإقرارها وصرفها.
وفي سياق متصل، نجم عن عدم الاستقرار تراجع في الحركة السياحية الداخلية على ما تؤكد مديرة العلاقات العامة في فندق «مسابكي» سوسن المصري التي تتحدث عن تضرر الكثير من البرامج الفنية التي تنشط نهاية كل اسبوع في مختلف الفنادق مجتذبة السياح والزوار على حد سواء.
أما أكثر ما تخشاه المصري فأن تطول فترة الجمود وانعدام الاستقرار لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى إلحاق أضرار فادحة بالمواسم السياحية المقبلة، لا سيما على مستوى حركة الحجوزات.
الأمر ذاته ينطبق على «بارك اوتل شتورا»، إذ يشير مدير الحفلات جورج الهيبي الى سلبيات الواقع الحالي الذي ينذر بالكثير من الخسائر الناتجة عن الغاء حجوزات ولقاءات وندوات واحتفالات وبرامج واجتماعات كان مقرراً أن تعقدها بعض الشركات والجمعيات.