منتديات ليب مون

للمرة الأولى منذ تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية، يعقد مكتب الاتحاد الدولي للمعماريين في العالم مؤتمره في بيروت، وقد كان من المفترض أن يتحول إلى حدث معماري في العاصمة، لكن الظروف السياسية التي تعيشها البلاد فرضت أولويات مغايرة.
بالإضافة إلى ذلك، ألغى رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري مشاركته في افتتاح المؤتمر للأسباب عينها.
أما المعماريون المدعوون من مختلف دول العالم فلم يتغيب منهم أحد، وعددهم يقارب اثنين وسبعين مهندسا، تحدث من بينهم نحو واحد وعشرين مهندسا.
وجاء المشاركون من كل من أستراليا وروسيا والصين والهند واليابان وكوريا والبرازيل والمكسيك وفرنسا وإيطاليا وإنكلترا واليونان وإسبانيا وإيرلندا وكوستاريكا وجنوب أفريقيا ومالطا.
وقد امتلأت قاعة نقابة المهندسين في بيروت من الصباح حتى المساء بالمهندسين من مختلف الاتجاهات والكليات الهندسية في لبنان، من أجل الاطلاع على تجارب أقرانهم في العالم، وكيفية تعاملهم مع المشاكل التي تواجه التراث المعماري في بلادهم.
وأوضح العضو اللبناني في مكتب اتحاد المعماريين والمنسق العام للمؤتمر المهندس ميشال برمكي لـ «السفير» أن المهندسين في العالم يعرفون عن العمارة اللبنانية «ربما أكثر مما نعرف نحن، وقد أتاحت هجرة المهندسين اللبنانيين الكثيفة إلى الخارج فرصة التعريف عن التراث اللبناني».
ويلفت برمكي إلى مسألة أساسية لدى المعماريين في العالم، يخشى أن يفقدها المهندس اللبناني بسبب المشاكل السياسية والأمنية المفروضة عليه، وهي الحساسية الجمالية تجاه الأمكنة التي نعيش فيها.
ويقول إن الاتحاد الدولي للمعماريين على معرفة تامة بالدمار الذي ألحقته إسرائيل بالتراث المعماري في الجنوب خلال حرب تموز العام 2006، وقد زار وفد منه لبنان بعد الحرب، لكن لم يتسن له الوقت لزيارة بنت جبيل وعيتا الشعب وعيناتا وغيرها من القرى التي جرى تدميرها، واقتصرت جولته حينها على كل من دير القمر وصيدا وصور، على أن يزور اليوم طرابلس وجبيل والبترون.
وكان وفد من المهندسين الفلسطينيين مدعوا للمشاركة في المؤتمر من أجل الحديث عن كيفية تدمير إسرائيل للتراث الفلسطيني، وأمنت نقابة المهندسين تأشيرات الدخول للوفد إلى لبنان، لكنه اعتذر في آخر دقيقة لأنه لم يتسن له الانتقال من فلسطين إلى بيروت.
ويستند مؤتمر بيروت إلى برنامج عمل وضعه مكتب الاتحاد الدولي للمهندسين للاهتمام بالتراث المعماري في العالم، ويضم الاتحاد ما يقارب مليونا ونصف مليون معماري يتوزعون على مئة وواحدة وعشرين دولة.
وإذا كانت معرفة التراث المعماري في العالم ضرورية، فإن التراث المعماري في لبنان الذي يتضاءل بفعل تدميره وبناء أبنية حديثة مكانه، يحتاج إلى عملية إنقاذ سريعة يؤكد عليها برمكي قائلا إن مهمة المؤتمر هي الإضاءة على المشكلة، وتنبيه الحكومة إلى ضرورة البحث عن وسائل حلها، كي لا تستمر المجازر الحالية بحق العمارة اللبنانية.
ويورد مثلا بارزا من روسيا، كي يظهر أهمية تحرك المواطنين من أجل حماية تراثهم، فقد قررت الحكومة الروسية إنشاء برج كبير في حي تراثي في مدينة سان بطرسبرغ، وطلبت من مهندسين معماريين معروفين تصميمه، لكنها تراجعت عن قرار بنائه بعد حملة الإعتراض التي واجهته.
وفي لبنان، اجتمع وفد اتحاد المهندسين منذ يومين إلى وزير الثقافة سليم وردة، وتمنى عليه الاهتمام بالمقررات والتوصيات التي ستصدر عن المؤتمر، مع الإشارة إلى وجود قرار في وزارة الثقافة بمنع هدم أي منشأة تراثية، إلا بعد موافقة السلطات المختصة، كما جرى تشكيل لجنة في بلدية بيروت من أجل الاهتمام بما تبقى من الأبنية التراثية في العاصمة.
لكن ذلك لا يكفي لأن الحفاظ على التراث المعماري يستلزم، إلى القوانين الصادرة، آلية واضحة لضمان تنفيذها، بالإضافة إلى إجراءات موازية تقضي بإعطاء الحوافز للمواطنين الذين صدرت قرارات بعدم هدم منازلهم، وإلا فسوف تستمر عملية إفراغ المنازل من حجارتها تمهيدا لهدمها.
ويؤكد أكثر من مهندس شاركوا في المؤتمر على وجود طرق عدة استخدمت في العالم لإعطاء الحوافز من بينها: منح صاحب المبنى عامل الاستثمار في مكان آخر، أو تشجيعه على تحويل منزله إلى مركز استقطاب للزوار والسياح، وذلك يحصل في كل المدن السياحية في العالم.
واستنادا إلى إحصاءات بلدية بيروت، كان في بيروت قبل الحرب الأهلية ستمئة منزل ومبنى تراثي، وقد تراجع العدد حاليا إلى مئتين وخمسين مبنى، بينما لا تملك نقابة المهندسين إحصاء بعدد المباني التراثية في جميع المناطق اللبنانية، وتحتاج لمعرفة ذلك إلى معلومات من البلديات.
وربما يصبح الاهتمام العالمي بالتراث المعماري اللبناني أكثر مما هو حاليا، مع التوقعات بانتخاب برمكي أمينا عاما للاتحاد الدولي للمهندسين في المؤتمر الذي سيعقده الاتحاد في أيلول المقبل في العاصمة اليابانية طوكيو. وسوف يكون في حال انتخابه ثاني أمين عام لبناني بعد هنري إده الذي انتخب في العام 1969 .