منتديات ليب مون - موقع لبناني صور وأخبار لبنان

منتديات ليب مون - موقع لبناني صور وأخبار لبنان (http://www.lebmoon.com/vb/)
-   أخبار لبنان والعالم اليومية (http://www.lebmoon.com/vb/f3.html)
-   -   الجزائر: أمن وجريمة.. ازدهار وفقر.. فَرْنسة وعروبة (http://www.lebmoon.com/vb/t38263.html)

Honey Girl 12-13-2010 09:42 AM

الجزائر: أمن وجريمة.. ازدهار وفقر.. فَرْنسة وعروبة
 
كثيرة هي النصائح الأمنية التي تسمعها في الجزائر العاصمة. تأتيك من رجال أمن مكلفين حمايتك كضيف يحظى برعاية رسمية، ويجمعون في شخصيتهم بين الدبلوماسية في التعامل والحزم في القرار.
تشعرك التدابير المفروضة عليك كأنك معاقب لمجرّد كونك صحافيا، خاصة أنها لا تتيح لك فرصة التعرّف على المدينة إلا من خلف زجاج حافلات النقل الموضوعة تحت تصرفك في أي وقت.
تخرق الإجراءات الأمنية، معتقداً أن أساليب التضليل التي شاهدتها في مسلسل «رأفت الهجان» كافية لكي تخرج بحرّية من الفندق المعزول المخصص لك، والواقع على مسافة نحو 50 كيلومتراً من وسط العاصمة. تطلب كأساً من النبيذ في إحدى الحانات المجاورة، ثم توحي بأنك متوجه إلى دورة المياه، وتغادر المكان خلسة، لكنك سرعان ما تجد أحدهم يتتبع خطواتك بذريعة...»الحفاظ على سلامة ضيوفنا».
الطريف في الموضوع، أن هذه المراقبة لا تتم سراً، بل تجري بـ«شفافية أمنية»، حتى أنك تحظى بفرصة تناول كوب من الشاي مع الرقيب، وتتبادلان الأحاديث ـ بدءاً بتاريخ ثورة الجزائر وصولاً إلى الوضع الحالي في البلاد ـ قبل أن تلتقط صورة معه، ويعطيك رقم هاتفه وعنوان بريده الالكتروني، موجهاً لك «دعوة شخصية» لزيارة الجزائر مجدداً، ومضمّناً إياها تبريراً للتدابير الأمنية، التي يبدي تفهّماً لانزعاجك منها.
فقر وجريمة
تسأل أحد الأصدقاء عن الوضع الأمني في الجزائر، فيؤكد أن لا خطر عليك، لكنه يطلب منك أن تحافظ على أمتعتك الشخصية في حال قررت التوجه إلى الأحياء المكتظة. تستفسر منه عن كيفية الذهاب إلى حي القصبة، وهو من أشهر المعالم التاريخية في العاصمة، فيسارع إلى تحذيرك: «لا تذهب وحدك إلى هناك، فحتى الجزائريون يتوهون في هذا الحي، والمشاكل فيه كثيرة».
ما إن تزور القصبة حتى ترى الصورة معاكسة، فأهل هذا الحي طيّبون بطبيعتهم. يستقبلونك بابتسامة ما أن يعلموا أنك من لبنان، ويركزون في أحادثهم معك على «القواسم المشتركة» بين اللبنانيين والجزائريين، «ليس لأننا شعبان عربيان فحسب، بل لأن هناك طباعاً مشتركة في ما بيننا»، حسبما يقول هشام، وهو شاب في العشرينيات يعمل في أحد مقاهي الحي، موضحاً أن «العديد من السياح يأتون إلى هنا، ومعظمهم من العرب، لكننا نجد راحة في التعامل مع اللبنانيين، لأنهم مثلنا، يحبّون الحياة، وحاسمون في مواقفهم. هم يعرفون الكثير عنا ونعرف الكثير عنهم».
تستفسر منه عمّا سمعته حول ارتفاع معدل الجريمة في القصبة، فيؤكد أن «ما يحكى أمر مبالغ به، ففي كل بلد هناك سرقات وجرائم وبلطجية، خاصة إذا كنت تزور منطقة يعاني سكانها فقراً وحرماناً وتهميشاً، كما هي الحال هنا، لكن غالبية سكان هذا الحي مسالمون ويرحبون بأي كان، وإن كانت طباعهم حادة بعض الشيء».
غير أن التقارير الحكومية وغير الحكومية، وإن تفاوتت أرقامها، تظهر أن الجريمة ما زالت تمثل تحدياً كبيراً للسلطات الجزائرية، وهو ما يؤكده كثيرون ممن تلتقي بهم في العاصمة الجزائرية، حيث يتحدثون عن نشاطات تمارسها شبكات الجريمة المنظمة، وهي بمعظمها متخصصة بالسرقة والنشل والاتجار بالمخدرات.
وبرغم الإجراءات التي تتخذها السلطات الجزائرية ـ ومن بينها تعزيز التواجد الأمني وتثبيت كاميرات مراقبة في الأحياء المكتظة بالإضافة إلى نصب عشرات الحواجز على الطرقات ـ إلا أن رجل أعمال عربياً مقيماً في الجزائر منذ نحو خمسة أعوام يرى أن ما يتخذ في هذا الإطار ما زال دون المستوى المطلوب، لافتاً إلى أنّ «الأمن في الجزائر ما زال سياسياً بالدرجة الأولى أكثر منه اجتماعيا». ويوضح أن «سلطات الأمن تركز اهتمامها خصوصاً على منع الجماعات الجهادية من تقويض الاستقرار في البلاد، فضلاً عن دورها السياسي المتمثل في الحفاظ على النظام القائم الذي يقوم على ركيزتين: قصر الرئاسة وجهاز الاستعلام (الاستخبارات)».
ويفسر معظم المراقبين سبب ارتفاع معدل الجريمة إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة، ومن بين أبرز أشكالها ارتفاع نسبة البطالة إلى 10,2 في المئة، ومعدّل التضخم إلى نحو 5,6 في المئة (بحسب تقديرات العام 2009 الرسمية)، ونسبة الفقر إلى نحو 23 في المئة (بحسب تقديرات العام 2006)، وهو أمر قد يثير الاستغراب عندما يكون الحديث عن دولة مصدرة للنفط يبلغ إجمالي ناتجها المحلي نحو 241 مليار دولار (2009).
وفي هذا الإطار، يقول محمد، وهو صاحب سيارة أجرة يعمل على خط زيرالدا ـ الجزائر، إنّ «الحياة في الجزائر صعبة للغاية»، موضحاً أن الدخل الشهري للأسرة، الذي يبلغ في متوسطه نحو 20 ألف دينار (حوالي 250 دولارا) لا يكفي سوى لأيام معدودة. تسأله عن سبب تردّي الوضع المعيشي في ظل ارتفاع عائدات النفط، فيجيب «نحن لا نحصل على شيء من هذا. وحدهم المحتكرون والضباط (النخبة العسكرية) يعيشون بنعيم، أما الشعب فقدره أن يواجه الفقر».
لكن لمسعود، وهو طالب جامعي من مناصري «جبهة التحرير الوطني» (الحزب الحاكم)، رأيا آخر، إذ يشير إلى أن السلطات تؤمن مستوى معيشة مقبولا لكل شرائح المجتمع الجزائري، سواء في ما يتعلق بالسكن الذي تؤمنه الدولة للمواطنين بأسعار رمزية، أو في مجانية التعليم والطبابة، مؤكداً أن أسعار السلع تبقى ضمن الحد المعقول قياساً إلى متوسط الدخل.
فرنسا.. العروبة.. وكرة القدم
لم ينس الجزائريون ما ارتكبه الاستعمار الفرنسي من مجازر بحقهم. في «المتحف الوطني للمجاهد» الذي يعلوه «ضريح الشهيد» في منطقة «رياض الفتح»، جناح خاص يوثق تلك الحقبة، من خلال وثائق صور عن فظاعة الجرائم التي ارتكبها الفرنسيون.
لكن استذكار فترة الاستعمار لا يقتصر على التوثيق، فهذه الحقبة ما زالت حاضرة في النشيد الوطني الذي يردده الجزائريون يومياً، والذي يتضمن بيتين يمثلان تحدّيا للقوة المستعمِرة السابقة: «يا فرنسا قد مضى وقت العتاب... وطويناه كما يطوى الكتاب/ يا فرنسا إنّ ذا وقت الحساب... فاستعدّي وخذي منّا الجواب».
برغم ذلك، ما زال الجزائريون يفضلون محادثة زائرهم باللغة الفرنسية أكثر منه بالعربية، ما يوحي، للوهلة الأولى، بأنهم يعيشون إشكالية الانتماء والهوية بين الفرنسة والعروبة.
ويرى حسين، وهو طالب جامعي، أن استخدام اللغة الفرنسية أمر طبيعي «نتيجة لبقاء الاستعمار الفرنسي في بلادنا لأكثر من 130 عاماً»، بما رافق ذلك من «تدجين ثقافي» انتهجه المستعمرون، موضحاً أنّّ ذلك «لم يقتصر على الشعب الجزائري، بل طال كل الشعوب التي عاشت تحت نير الاستعمار، لا سيما الاستعمار الفرنسي، الذي لم يكتف بالسيطرة السياسية والعسكرية المباشرة، بل تجاوز ذلك لنقل ثقافته إلى المجتمعات التي استعمرها».
ولكن ألا تكفي ستة عقود من الاستقلال لكي يتخلص الجزائريون من هذا الإرث؟ يجيب حسين بأن الحكومات الجزائرية المتعاقبة قامت بما يلزم لتعزيز اللغة العربية، لكنه يشير إلى دور خفي يمارسه «التيار الفرانكوفوني» لكبح هذه الجهود، وهو ما تبدّى مؤخراً في الجدل الذي أثاره قرار فرض استخدام اللغة العربية حصراً في المعاملات المقدمة للمحاكم.
مع ذلك، يرفض حسين ما يحكى عن أزمة هوية، إذ يشير إلى أن مرحلة ما بعد الاستقلال شهدت تحولاً تدريجياً من الفرنسة إلى العروبة، لا سيما في أوساط الشباب، موضحاً أن «الجزائريين اليوم فخورون بانتمائهم العربي، لكنهم يجدون في اللغة الفرنسية عاملاً مساعداً للانفتاح الثقافي على الغرب».
يتفق الشاب محمد، وهو طالب جامعي من مدينة تيبازة، مع رأي حسين، إذ يؤكد أنّ «الجزائريين يجدون أنفسهم في قلب قضايا الأمة العربية، لا سيما المتعلق منها بفلسطين، وقد ترجموا ذلك في مناسبات عديدة، بدءاً باحتضان إعلان الدولة الفلسطينية في الثمانينيات، وصولاً إلى المشاركة في قافلات كسر الحصار عن قطاع غزة».
لكن الحديث عن العروبة يجد بعداً آخر لدى شبان تلتقي بهم في أحد أزقة مدينة اسطاوالي. يقول أحدهم «نحن نحب كل العرب إلا المصريين». تبتسم وتسأله عما إذا كان موقفه مستنداً إلى ما حدث خلال المباراة الشهيرة بين منتخبي مصر والجزائر في كرة القدم، فيجيب بحزم: «كلا... ربما البعض يحاول تصوير ما حدث على أنه خلاف على كرة القدم، لكنه يعبّر في حقيقة الأمر عن موقف سياسي تجاه الممارسات المصرية تجاه الفلسطينيين». ويضيف «المصريون باعوا الفلسطينيين، بينما نحن، لو قدر لنا، لذهبنا بالآلاف للقتال ضد اليهود (الإسرائيليين)».
أيام قليلة في العاصمة الجزائرية قد لا تكون كافية سوى للخروج بانطباع واحد عن أهلها: لكل منهم طريقته في التعبير. عفويون في حديثهم. صارمون في مواقفهم. المعيار الوحيد لفهمهم هو أن تتذكر دائماً ما قاله لك أحد شبانهم: «قد يبدو الأمر ضرباً من الجنون (يقولها بالفرنسية)، لكننا ببساطة صادقون في مشاعرنا: إن أحببنا شخصاً أخلصنا له كواحد من أهلنا، ولكننا إذا لدغنا مرّة، فجرحنا لا يداوى بسهولة


الساعة الآن 04:23 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.