منتديات ليب مون

جلست السيدتان على المقعد الخشبي ووضعتا الورود البيضاء بينهما. لم تنبسا بكلمة واحدة. السيدة الأولى، بالعينين الزرقاوين والرداء والغطاء الداكنين هي ماجدة بشاشة، شقيقة المفقود أحمد، الذي فقد عندما كان آتياً من برجا إلى بيروت في العام 1976. أما السيدة الثانية بالنظرة الثاقبة والقميص الأبيض والأسود، بلوني صورة الشاب الموضوعة في الإطار، فهي ماري غاوي، والدة جورج الذي اختطف في العام 1983 في منطقة المشرفية، بالقرب من وزارة العمل.
عندما ارتفع صوت آذان الظهر من مسجد زقاق البلاط القريب من ساحة رياض الصلح، حيث تجلس السيدتان على المقعد رفعت ماري يديها نحو السماء وتمتمت: «يا رب». بعد قليل ستقفان سويا على جانب الطريق لتوزعا ورودهما البيضاء التي أحضرتها لهما الناشطة في «مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب» الزميلة أمال خليل. توزيع الورود جزء من إحياء اليوم العالمي لحقوق الإنسان في الساحة، غير أنه لم يكن النشاط الوحيد يوم أمس.
لم تتوقف العديد من السيارات للسيدتين، الأمر الذي أغضب سلوى حبلة، رئيسة «جمعية اللجنة النسائية في الطريق الجديدة». والجمعية التي تترأسها سلوى تشكّل واحدة من ستين جمعية واتحاداً وفعالية مشاركة في «اللقاء الوطني للقضاء على التمييز ضد المرأة». فاللقاء كان يعتصم بدوره، للمناسبة ذاتها، في إطار حملة «لأنهم أولادي، جنسيتي حق لهم». سارعت سلوى، صاحبة الشخصية القوية، إلى إجبار العديد من السيارات على التوقف عبر رفع كف يدها بحزم في وجه السائقين اللامبالين وعبر الاقتراب من سياراتهم ترهيباً.
رفيقات سلوى كنّ، في خلال ذلك الوقت، يثبّتن فوق العوائق الحديدية التي وضعتها القوى الأمنية نسخا عن التواقيع التي جمعنها في إطار «الحملة الوطنية من أجل المساواة في إعطاء الجنسية» ويرفعن اللافتات ويوزعن المنشورات. جمعت الحملة حتى الآن تواقيع أكثر من أربعمئة ألف لبناني ولبنانية، من المناطق كافة، يطالبون بتعديل المادة الأولى من قانون الجنسية الصادر منذ خمس وثمانين سنة، لتصبح: «يعد لبنانيا كل شخص ولد من أب لبناني أو من أم لبنانية». جئن بنسخ التواقيع يوم أمس إلى ساحة رياض الصلح على أن يقدمن الأصلية منها لرئيس مجلس النّواب نبيه بري في وقت لاحق. ثارت ماري عندما اقتربت منها آلة التصويرالتلفزيونية. فار الدم في وجه السيدة الهادئة مرة واحدة عندما صارت تروي للكاميرا كيف وعدها مسؤول سياسي بعودة ولدها قبل صباح يوم اثنين مرّ عليه اليوم سبعة وعشرون عاماً.
تمر مجموعة من الشبان الأكراد السوريين. يقول أحدهم، رافضاً الكشف عن اسمه، إنهم ذاهبون للاعتصام في ساحة جبران بالقرب من الأسكوا «رفضاً للاعتقالات القسرية ونقل الموظفين التعسفي وسحب الجنسية الممارس ضد الأكراد في المنطقة». يرفعون لافتات تعبر عن تمسكهم بقوميتهم. تقول اللافتات: «أنا كوردي ولغتي كوردية». ويصرّ عدد منهم على توزيع ورود بيضاء قبل أن يغادروا.
يرتفع صوت سلوى من جديد ليبث الحماسة في الحاضرات. ينادي صوتها الذي يخرج صارخا من مكبر الصوت نواب الأمة. يقول إن الجرح يزداد عمقا، وإن الحاضرات يمثلن شريحة كبيرة من اللبنانيين. تتحرك المشاركات عفوياً باتجاه مقر المجلس النيابي. يردن من المجلس الذي انتخبنه أن يسمع معاناتهن. يرجوهن الضابط الشاب في شرطة المجلس، بلباقة، ألا يتخطين حدود العوائق الحديدية. لكن المعتصمات يتمسكّن بلقاء النواب مباشرة. تقول إحداهن للضابط إنه إذا واجهن النواب وجهاً لوجه، عندها يمكن ربما لهؤلاء الأخيرين أن يشعروا بآلامهن. والضابط يؤكد أن «لا نوابَ في المجلس». بعد أخذ ورد، يقررن التراجع إلى المكان الأول للاعتصام من أجل إلقاء كلمة قرأتها باسمهن المنسقة العامة في اللقاء عزة الحر مروة.
بعد ذلك قام وفد منهن بتسليم مذكرة إلى الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر تتضمن مشروع اقتراح قانون تعديل المادة الأولى - الفقرة الأولى من قانون الجنسية القرار الرقم 15 الصادر بتاريخ 19 كانون الثاني 1925، والأسباب الموجبة لهذا التعديل