أكثـر مـن سبعـة عـشـر ألـف مختــــفٍ قســــراً - منتديات ليب مون - موقع لبناني صور وأخبار لبنان
Loading...
اختر لونك المفضل


قديم 08-30-2010, 09:32 AM   #1
الـمشرفة الـعامة
 
الصورة الرمزية Honey Girl
تاريخ التسجيل: Sep 2008
الدولة: حالياً.. هووون
المشاركات: 77,303
افتراضي أكثـر مـن سبعـة عـشـر ألـف مختــــفٍ قســــراً


ام تبكي وهي ترفع لافتة في اعتصام نفذته لجنة اهالي المخطوفين والمفقودين في ذكرى 13 نيسان في الاسكوا

اللقاء الأول مــــع وداد حلواني، رئيـــسة لجنة أهالي المفقودين والمخطــــوفين في لبنان، لم يكن وديــاً تماماً.
اتــــصلت بها حينها، طلباً لمقابلة من أجل إجراء تحقيق صحافي عن المخــــطوفين. كانت ذكرى الثالث عشر من نيسان، تاريخ انطلاق الحرب الأهلية، تلوح على الأبواب، وكنت أريد أن أكتب عن ضحاياها.
امتعضت وداد. رفضت أن نعيد الأسئلة والأجوبة المكررة ذاتها. ورفضت المشاركة في مقابلــة يكون محـــورها الوحيد الألم والدموع. لم نكن نعرف بعضنا بالوجه وقتها، وشعرت بأن نبرة صــــوتها كانت قاسية بحقي. لكني أدركت لاحــــقاً أن البعض من أهل الإعلام، أو معظمهم، لا يتذكر ضحايا الإخفاء إلا في ذكرى الحــــرب الأهلية. وها قد وقعتُ، انا أيضاً، في فخ هذه الفكرة.
بعد نقاش عبر الهاتف، اقترحت وداد زاويةً جديدة لمقاربة الموضوع تبدأ من طرح الأسئلة على ممارسي الخطف، ثم تعلق هي لاحقاً على إجاباتهم. دفعتني وداد يومها إلى فوهة المدفع مباشرة.
وهكذا كان.
توجّهت إلى أرشيف الجريدة لأقرأ في ملف المخطــــوفين، فوجــــدته مهولاً. أكــــثر من ثلاثة ملفات عملاقة. صفحات صفــــراء لا تنتهي من الأخبار والتحـــقيقات والتغطيات.
كلما قلبت صفحة، ظهرت قصة جديدة. أدركت أن كتابة الموضوع لن تكون سهلة أبداً، ففيها مسؤولية كبيرة تجاه الصفحات وأصحابها. فكرت مربكــــاً أن أتراجع وأن أبحث عن موضوع أسهل. لكن فكرة ســــؤال المرتكبــين في وجوههم عن الضحايا ظلت تغويني.
خلال كتابة التحقيق، قابلت أحد نواب الميليشيات السابقة المعروف بأنه كان مسؤولاً عن حاجز البربارة الذي اشتهر بخطف الآمنين وتعذيبهم وترويعهم وقتلهم. النائب لم ينف، خلال المقابلة، أن يكون تنظيمه قد مارس الخطف، لكنه أكد ببراءة الأطفال أن «الأسرى» كــــان يوقفــــون ويحقق معهم ويفرج عنهم في مراحل لاحـــقة. أما احتمال تسليم «أسرى» لدول أجنبية فوضعه النـــائب في عهدة مرحــــلة سابقة من قيادة الحزب الذي ينتمي إليه.
أذكر أنه نفى بشكل قاطع أن يكون قد تسلم أية مسؤولية على حاجز البربارة. والمقابلة بيننا دامت أكثر من ساعتين. في ختام المقابلة، بدا أن النائب الكريم ارتاح لمسار الحوار، فأحب أن يتحدث إليّ عن تاريخه.
قال لي، بعيداً عن آلة التسجيل: «تعالَ أخبرك عن حادثة حصلت معي يوم كنت مسؤولاً عن حاجز البربارة». ولما نظرت إليه مندهشاً، تدارك زلة اللسان، وأوضح: «أي في المرحلة التي يتهموني أني كنت فيها مسؤولاً عن حاجز البربارة».. أروي الحادثة كنموذج لكيفية تعاطي السياسيين اللبنانيين على أنواعهم مع ملف بهذا القدر من الحساسية، تعاط ذو وجهان. واحد منمق وكاذب للإعلام، وآخر حقيقي واقعي مخصص لسرد النوادر واستذكار الماضي. ناهيك عن كونهم المعنيين بالخطف.. وبإيجاد الحل لأهالي المخطوفين.
في المقابل، وإلى جانب أصحاب الحكاية، كان لا بد أن نصير، وداد وأنا، صديقين، بعدما ورطتني بمعرفتها وبالقضية التي تحملها. نذكّر بعضنا، بين الحين والآخر، باللقاء الهاتفي «الجاف» الأول، ونضحك سوياً. تعرفت إلى لجان الأهالي الأخرى عن قرب، وانغمست، من دون خيار مني، في واحد من أكثر الملفات المثيرة لحرج مرتكبيها. نواكب النشاطات التي تنظمها اللجان ونتابعها.
تعرّفت إلى خيمة الاعتصام في وسط بيروت. وقربها، بكيت والزميلة في «النهار» منال شعيا سوياً، في تشييع أوديت سالم. الأم التي صدمتها سيارة قرب الخيمة، وقتلتها. ماتت محزونة على ولديها ريشار وماري - كريستين اللذين لم تعرف مصيرهما.
صار للأسماء التي أقرأ عنها في الملفات أهلٌ وجوههم حقيقيةً بالنسبة إلي. أتعرف على أمهاتهم وأخواتهم وزوجاتهم وبناتهم، واحدة بعد أخرى. النساء هن حقيقة من يتابعن مصير الأخوة والأبناء والأزواج والآباء، لا الرجال. مع الوقت، تأكدت أكثر من هذه الفكرة، خاصة عندما كنت أرى أن غالبية المشاركين في أي من النشاطات الداعمة للقضية هن من الإناث. زاد حبي لهؤلاء السيدات وحفظت وجوههن. ملامح بتجاعيد الفراق والانتظار والأمل. لكل وجه قصة تستأهل كتاباً. لكل وجه حياة تغيّرت ذات لحظة شرّ وتخلٍّ عن الشعور والقيم. أتواطأ وإياهن أحياناً بتبادل الأخبار والتسريبات المتعلقة بالموضوع.
نتــشارك في قطع طريق أو في رفع لافتة أو حتى في تضخيم خبر. ونتــــشارك يومياتنا العادية، حيث لا حــزن بالضرورة ولا ظلم ولا ساسة. منهن أتعلم كيف قررن قلب صفحة الماضي من كتاب الحياة، والقـــراءة في الصفحة البـــيضاء التالية، من دون التخلي عن الحق في معــــرفة مصير الأحبة. منهن، أتعلم الإيمان بيوم جديد.
يقولون إن عدد المفقودين في لبنان يصل إلى سبعة عشر ألفاً. مع أن الرقم الذي يعترف به النظام أقل من ذلك. فهناك من لم يتبق أحد من أهله ليطالب به، أو أن أهله قد هاجروا أو توفوا، أو لا يعرف بعمل لجان الأهالي، أو أنه قد ملّ وارتضى أن يعيش مع فكـــــرة الفقدان فنــــحى بنفــسه جانباً.
لكن، ليس هؤلاء وحــــدهم المخفيون قسراً..
اسألوا خيمة الاعتصام الجرداء التي فقدت ألوانها. اسألوا أرض حديقة جبران ودرج المتحف. اسألوا عائلة جابي الكهرباء عدنان جحا الذي اختفى وهـــــو يؤدي عمله في جباية الفواتير ولم تقدم الدولة جــــواباً واحداً لعائلته، بل اكتفت بتحصيل حقــــها من قيمة الفواتير التي كان عليه أن يجبيها.
اسألوا ولديه إبراهيم ورامي. اسألوا عن أمن الناس المخطوف قسراً في شوارع المدينة على وقع الرصاص المفاجئ والقذائف الصاروخية «التافهة».
اسألوا العائلات التي تودع بعضها صباحاً من دون معرفة بإمكانية عودة التلاقي في المساء. اسألوا عن الموظف الأمين، صاحب الأجر المتواضع، الذي يؤدي عمله ويعضّ على أسنانه حتى لا يقع في مغريات الرشوة الحاضرة أبـــــداً. إن ذلك أيـــضاً هو نوع من الإخفاء القسري عن الحياة الكريمة. اسألوا عن الحياة بلا مستقبل. بلا بصيص أمل.
في لبنان، المخفيون واللامرئيون كثر. ليسوا فقط سبعة عشر ألف مواطن. إنهم أكثر من ذلك. بكثير






__________________
آخر مواضيعي

0 وفاة طفلة ألقتها والدتها من بيتها في الطابق الرابع
0 هويدا العرّاف لـ«شباب السفير»: عائدة إلى غزّة.. بأي ثمن
0 كيف تتخلصين من شعر بطنك؟!
0 للنساء كيف تعرفي الاطعمة التى يحبها زوجك من برجه؟
0 نانسي عجرم تغنّي لمنتجعات “بورتو”!

Honey Girl غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دمشق: مسـيرة حاشـدة اليوم ترفع أكبـر علم سـوري Honey Girl أخبار لبنان والعالم اليومية 2 06-16-2011 01:19 AM
أكثـر مـن 177 عمليـة سلـب فـي 3 أشهـر! Honey Girl أخبار لبنان والعالم اليومية 0 03-30-2011 01:45 PM
لمـاذا يعيـش المهـاجـرون أكثـر مـن الأصلييـن؟ Honey Girl منتدى قمر لبنان العام 5 02-24-2011 10:26 AM
أشعــر أني أعـرفكـم أكثـر ممن هـــم حولي..! nadamaroc منتدى قمر لبنان العام 10 01-13-2010 12:53 AM
إسرائيـل بعـد الحربيـن الفاشـلتين: تطـرّف أكثـر Honey Girl أخبار لبنان والعالم اليومية 2 02-12-2009 10:16 AM


الساعة الآن 05:23 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.
© جميع الحقوق محفوظة لمنتديات ليب مون قمر لبنان 2016.